Google+
REACH2.0

النزول من البرج العاجي

Vienna - keynote speech   النزول من البرج العاجي

سنحت لي الفرصة عن طريق الصدفة، مع قليلٍ من الجهد وشيءٍ بسيطٍ من الحظ، الشهر الماضي أن أشارك في “المؤتمر الإنساني الثالث في فينّا”؛ حيث تم اختياري من قِبَل المؤتمر عن طريق عملي في منظمة كير الإنسانية CARE International ، باعتبار المنظمة أحد الأعضاء الراعين للمؤتمر المقام سنوياً في العاصمة النمساوية، وكان المؤتمر يبحث عن متحدثين في أحد الجلسات بعنوان “وسائل الإعلام الاجتماعي: جنة أم نار؟”، ولما كانت الفكرة من هذه الجلسة تحديداً قد جاءت من كل ما يحصل في العالم العربي من كوارث إنسانية وحروب وما تلعبه وسائل الإعلام الاجتماعي من دورٍ جوهري في تغيير مسار هذه الصراعات من جهةٍ لأخرى، وإن كنت شخصياً لا أشعر بأن ما أقوم به هو عملٌ استثنائي، ولكنني كعاملٍ في حقل الإعلام والاتصال ضمن المجال الإنساني، وناشط في مجال وسائل الإعلام الاجتماعي، ومن هذه المنطقة المتأججة بالحروب والنزاعات، فإن اختيار شخصٍ مثلي كان يمثل الخيار الأنسب لإدارة المؤتمر والذين ما أن أرسلت لهم نبذةً بسيطةً عن ما أرغب بطرحه في الخمسة دقائق التي ستطرح لي للنقاش إلا ووجدتهم يتصلون بي ليطلبوا مني، علاوةً على مشاركتي التي كانت مؤكدةً مسبقاً، أن أكون المتحدث الرئيسي في الجلسة، على اعتبار أن خلفيتي المهنية والشخصية وما أود طرحه يمثل جوهر النقاش لتلك الجلسة.

ربما يخيل للكثير منا أن ما يتوارد لأذهان الغرب فور وجود شخصٍ عربي ومسلم بينهم هو أنه لا يفقه الحديث إلا بلغة السلاح، أو أنه لا يعرف عن واقعه شخصياً ما يعرفونه هم، أو أنهم ينظرون لهذا الشخص نظرةً فوقيةً مغزاها “أنت بحاجتنا، ودوننا أنت لا تساوي شيئاً”، ولكن ما أن بدأت الجلسة إلا وقدمتني زميلتي فيها، وهي نمساوية، بقراءتها لما يحتويه ملفي عبر موقع تويتر من تعريف شخصي، قائلة: “محمود شبيب يعرف نفسه بأنه رجل يافع مسلم، أردني، فلسطيني، عربي، متعلم، وفخورٌ بكل ذلك”، ثم صعدّتُ إلى المنبر وقدمت حديثي عن عملي، وعن إيجابيات وسلبيات وسائل الإعلام الاجتماعي، وعمل المنظمات الإنسانية واستخدامها لوسائل الإعلام الاجتماعية، وختمت حديثي بتأكيدي على انتهاء عصر الحديث من البرج العاجي وأنه بفضل الإعلام الاجتماعي فإن الرابح هو من يتواصل مباشرةً مع جمهوره، وتوالت بعد ذلك النقاشات من زملائي في الجلسة، وكنا متفقين في الكثير من الأمور، ومختلفين في بعضها، لكننا اتفقنا في الأمور الجوهرية كأهمية دور وسائل الإعلام الاجتماعي في إيصال الرسالة، وكعملها كسلاح ذي حدين، وتوفيرها فرصةً للاستماع للرأي والرأي الآخر، وأهميتها على حد سواء لوسائل الإعلام، والمشاهير، والعاملين في المجال الإنساني، والسياسيين، والمسؤولين، والرأي العام، وكل من لا يريد دفن رأسه في التراب وتجاهل كل ما حوله.
ما كان ذا ثقلٍ لا يقل أهمية في الجلسة هو أسئلة الحاضرين ومداخلاتهم التي حملت في جوانبها آراء مثيرة للاهتمام جعلتني أركز بشدةٍ ليس فقط لأتمكن من تكوين جواب على ما يُطرَح عليّ من أسئلة، بل لأتمكن من تكوين صورةٍ عن ما يعتقده الحاضرون من شتى أنحاء العالم وما يتبادر لأذهانهم فور تواجدهم ضمن ساحة نقاشٍ تتعلق بالعالم العربي؛ وكانت النتيجة، للأمانة، أفضل من ما قد يتوقعه بعضنا كعرب، لم أكن شخصياً متفاجئاً بإيجادي للكثير من الآراء الإيجابية أو المنصفة – فطبيعة عملي تفرض عليّ التعامل مع أشخاص من مختلف الجنسيات والثقافات – فوجدت الحضور يشددون على أهمية عدم تصديق كل ما يُسمع ويُرى في وسائل الإعلام ذات المصالح المتضاربة، ويميزون بين الجماعات الإرهابية وعموم الناس الذين يرفضون وجودها جملةً وتفصيلاً، وحتى من لم يؤيد هذا الكلام من الحضور، لم يكن بينهم من عارضه، وهو ما يهمّ حيث أن الحاضرين في هذا المؤتمر، وإن تنوعوا بين اختصاصاتهم وثقافاتهم، إلا أنهم جميعاً كانوا من المتعلمين والمثقفين.
لم تنته الجلسة إلا وقد تقدم للحديث معي الكثير من الحضور؛ إعلاميون ومقدموا برامج، رؤساء جامعات، مدراء منظمات إنسانية، محترفو وسائل الإعلام الاجتماعي، وغيرهم من من كان لقائي بهم واستماعي لشهاداتهم في الجلسة أو إجابتي لأسئلتهم تجربةً فريدةً بحد ذاتها، وكلهم أكّدوا على أن استضافتي في هذا المؤتمر والاستماع لشهادة من يعمل ضمن أكبر كارثةٍ إنسانيةٍ في العصر الحديث (وهو التصنيف العالمي الحالي للأزمة السورية من ناحية حجم الضرر وأعداد المتأثرين) ضمن أحد أهم جلسات هذا المؤتمر كان أمراً جوهرياً وأن على كل المنصات العالمية الاستثمار فيه للاستماع لمن لرأيهم الثقل الأساسي والأهمية الكبرى.
 عدت إلى بلدي الأردن وأنا متفائلٌ بفضل التجربة التي مررت بها؛ فمن التقيتهم في المؤتمر وإن كانوا يمثلون شريحةً أو طبقةً معينةً من المجتمع الدولي وتحديداً الغرب، إلا أنهم المثقفون والمتعلمون ضمن هذه المجتمعات، وما وجدته من تجربتي هو أنهم على درايةٍ بالواقع وكل ما ينقصهم قد يكون شهادةً حيةً من قلب عالمنا المتنازع بين الحين والآخر، حتى يقوموا هم بما عليهم، فهم قادة الرأي في مجتمعاتهم، وهم الذين يعنى بهم تغيير المجتمع والتأثير فيه، وتغيير الصورة النمطية لديهم نحو الأفضل.
محمود شبيب – المسؤول الإعلامي الإقليمي للأزمة السورية – منظمة كير العالمية.
Mahmoud Shabeeb.

unnamed

 
Comments

No comments yet.

Leave a Reply